بسمة نسائية/ سينما
عزيزة حلاق/ طنجة
صور: محمد بلميلود
الموسيقى سلاح لتكسير الحدود
“(sound of berberia” أو “ايقاعات تامازاغا”، “صوت الأمازيغ” للمخرج طارق الادريسي، فيلم يشدك منذ اللقطة الأولى، إلى عالم ابداعي شاعري، في رحلة للبحث عن الإيقاع الأمازيغي الأصلي.
الفيلم عرض في اطار المسابقة الرسمية للأفلام الروائية للدورة 20 لمهرجان الفيلم الوطني، الذي انطلق في 27 نونبر الجاري وسيختتم يومه السب 4 أبريل.
“صوت الأمازيغ” فيلم قدم في تناغم ابداعي جمع بين الصورة والحوار والتمثيل، والموسيقى العنصر المحوري للفيلم والرمزية التي أراد أن يقول بها المخرج، إنها أقوى سلاح يمكن أن نكسر به كل الحدود. هو عمل جمع أكثر من لغة ولهجة، (الريفية والعربية والاسبانية والفرنسية ولهجة الطوارق)، وكشف عن تنوع ثقافي غني لمنطقة شمال افريقيا. حيث انتقل بنا المخرج من المغرب إلى الساحل الافريقي وليبيا إلى حدود مصر.
قصة الفيلم تبدأ بشخصية “كينو” الشاب الريفي، الذي يغمره شغف كبير بفكرة البحث عن الموسيقى الامازيغية الأصيلة، مما سيدفعه رفقة صديقه “فؤاد” لاستكشاف شمال افريقيا بحثا عن إلهام لامتناهي ..
تنطلق رحلته من مدينة الحسيمة مسقط رأسه، حيث يلتقي بصديق طفولته “فؤاد” الذي يهرب من مشروع زواج مرتب من قبل الأسرة، فيقرر مرافقة “كينو” في مغامرة غير محسوبة العواقب.
خلال هذه السفر ستجمعهما الصدفة بالشابة الجميلة الصحافية أمينة التي سيكون لها دور مهم في هذه الرحلة. هم الصديقان البحث عن الهام موسيقي لا متناهي وكسر الحدود بالموسيقى، وهدف الصحافية اجراء مقابلة حصرية مع أحد محاربي الطوارق.
“ايقاعات تامازاغا”، مشروع كبير وإنتاج ضخم تجاوز بكثير حسب المنتج، الميزانية التي رصدت له من قبل الدعم المحصل عليه من المركز السينمائي المغربي، رهانهما لم يكن الربح المادي، بل الربح المعنوي، وكان الحافز بالنسبة لهما (المنتج والمخرج) هو تحقيق حلم راودهما منذ مدة، عبر رحلة موسيقية يكسران بها كل الحدود بشمال افريقيا، بدءا من المغرب مرورا بالجزائر و منطقة الساحل وليبيا وحتى حدود مصر..
الفيلم ومنذ اللقطة الأولى، يشدك في تناغم ابداعي شاعري، بين الصورة والحوار والتمثيل والموسيقى، العنصر المحوري للفيلم والرمزية التي أراد أن يقول بها المخرج، إنها أقوى سلاح يمكن أن نكسر به الحدود.
الفيلم حضي عند عرضه بسينما “الروكسي”، بأطول مدة للتصفيق من قبل الحضور ومهنيي السينما.
وهنأت جل المداخلات المخرج طارق الادريسي وفريق عمله، وشكرته على هذا العمل الذي جمع بين كل العناصر السينمائية المطلوبة في فيلم جيد يرقى إلى مستوى الأعمال القادرة على المنافسة في أكبر المهرجانات، (من سرد، وصورة، وتشخيص، وايقاعات موسيقية.. قدمت في قالب ابداعي فني بصري جميل.
ايقاعات تامازغا” فيلم متفرد في طرحه وفي فكرته، وتعدد لغاته، وهي عملية توزيع لم تكن سهلة حسب المخرج الذي نجح رغم أن 70 في المئة من لغة الفيلم بالريفية، في شد المتفرج غير الناطق بالريفية، للتتبع عبر الترجمة. فيما توزعت 30 في المئة من لغة الحوار، بين العربية والفرنسية والاسبانية ولهجة قبائل الطوارق. وأوضح طارق الادريسي، في هذا السياق “أن في هذا العمل الفني استُعملت آلة التصوير اليدوية، وكنت في أحيان كثيرة أحدد الموضوع للممثلين وأعطيهم الحرية في الحوار، على أن يتم لاحقا تحديد المقاطع المناسبة أو إعادة التصوير مرة أخرى”.
تجاذبات كبيرة عرفها هذا العمل بخصوص تصنيفه، بين من يراه أقرب إلى الوثائقي، وبين من يرون العكس..
جمالية الفيلم تمثلت في تقديم قراءة ثقافية للتنوع الثقافي لشمال افريقيا، في سفر جميل نقل المخرج طارق الادريسي، من الاشتغال على الفيلم الوثائقي إلى الروائي، ونقله من حلم شخصي راوده وصديقه المنتج، منذ زمن لكنه تلاشى لأسباب عدة من ضعف الإمكانات إلى الأوضاع المتأزمة التي عرفتها المنطقة أنداك (تهديدات القاعدة في منطقة مالي والارهاب واختطاف الرهائن والربيع العربي) كلها عناصر حولت حلمه إلى عمل روائي، نجح في تمرير رسالته عبر خلق تلاقح وتلاقي للثقافات واللغات بانسيابية وبأسلوب سلس، وهذه إضافة سينمائية قوية لرصيد طارق الإدريسي الذي اشتغل واشتهر بالأفلام الوثائقية.
لقد أمتعنا طارق الادريسي، بفيلم شاعري يلخص فكرة يؤمن بها الكثيرون، ويناضلون من أجلها، هي رسالة فلسفية وجودية، تنطلق من قوة الموسيقى كلغة عالمية في مواجهة كل الأيديولوجيات العقائدية، وسلاح قادر لكسر الحدود، ومواجهة الشر بالفن.