السينما والفن عموما هو مجال نبيل يقدِّر النقد ولا يقبل الشغب والتطاول على صناعه..
بقلم: فؤاد زويريق
حملة غريبة وغير مفهومة، وانتقادات لاذعة، تعرض لها الفنان إدريس الروخ، تزامنا وعرض فيلمه السينمائي الأول “جرادة مالحة” في القاعات السينمائية.
الحملة وظف فيها مقطع سينمائي وصف ب”الساخن”، يغتصب فيه الروخ الممثلة سارة بيرليس. و جرى تروجيه على أنه مسرب من الفيلم الجديد “جرادة مالحة” في حين أن المشهد مأخوذ من فيلم ” بورن أوت” للمخرج نور الدين الخماري سنة 2017.
وتعقيبا أو تعليقا على “البوليميك” وهذا الجدل الدائر حول هذا الموضوع، بين رواد السوشيال ميديا، بين متضامن ومهاجم، كتب الناقد فؤاد زويريق هذه الورقة تحت عنوان:” الممثل ليس قديسا ولا نبيا”، معتبرا الحملة التي يتعرض لها إدريس الروخ، ظالمة ومغرضة في حق الممثل.
——————–
الممثل ليس نبيا ولا قديسا، ومن تجرأ وأشار إليه بأصبعه فكأنما يدعي النبوة والطهارة والقُدسية، ولا أظن أن أحدا منا يحمل في جيناته هذه الصفات. الممثل لا يثير الجدل، نحن من نثير الجدل، إذًا المشكل فينا نحن وليس فيه، الممثل يؤدي دوره وينصرف إلى حال سبيله، فإذا مارس دوره الفني وأتقن تشخيصه لا يذكره ولا يشكره أحد، أما إذا قام في إطار دوره الفني أيضا بتمثيل لقطة من اللقطات التي يسميها البعض بالإباحية، ثُرنا وملأنا الدنيا صراخا وبكاء على القيم التي ضاعت وستضيع بسبب لقطة عابرة تحولت بفعل فاعل الى قضية رأي عام.
الجمهور في بلدنا يتلاعب به في أغلب الأوقات، يحركونه يمينا ويسارا كما يريدون، لا يفكر ولا يتساءل عمن يثيره ويحركه، وما الغاية والهدف، لا أريد أن أقول بأن الجمهور يُساق كالقطيع، أخجل من قول هذا، لكنه وفي كل قضية مفتعلة يُعطل عقله وينساق أمام العقل الجمعي الهمجي، الجمهور السينمائي في بلادنا يتعامل للأسف مع السينما بمنطق الكرة، إذا غضب شتم وسب وحطم كل شيء أمامه، السينما والفن عموما هو مجال نبيل يقدِّر النقد ولا يقبل الشغب والتطاول على صناعه ، وعلى هذا الجمهور أن يدرك ويفرق بين التلفزيون والسينما، فهذه الأخيرة لا تجبرك على حضور عروضها، فأنت من تختار وبكامل وعيك وحريتك أية العروض ستشاهد، في الثمانينات وأواسط التسعينيات كنت أحضر أفلاما في القاعات السينمائية المغربية تتضمن لقطات وكأنها بورنو حقيقي وتكون القاعة ممتلئة عن آخرها ولا أحد يثور ويصرخ، فهل تغير وعي الجمهور إلى حد الخلط بين الواقع والتمثيل؟ ماذا ننتظر إذن من جمهور ثار وهاج وهاجم ممثلة لأنها أدت دور شيخة؟.
أتضامن بقوة مع الفنان إدريس الروخ، لأن ما يتعرض له اليوم وما تعرض له ممثلون وممثلات من قبله هو سُبّة في حق الفن المغربي عموما، صحيح أن الفيلم يُعطي السلطة للمتلقي كي يحكم ويقيم المحتوى بطريقة فنية إبداعية حضارية، لكن الفيلم ككل وليس لقطة قصيرة عابرة ضمن فيلم عرض سنة 2017 انتزعت من سياقها لتتحول الى حملة ظالمة مغرضة في حق الممثل، وهذا ما يطرح التساؤل لماذا الآن بالضبط؟ وهل لفيلمه الجديد “جرادة مالحة” الذي خرج للتو في القاعات أية علاقة؟ قد يتذاكى بعض ممن يثيرون الفتنة ويتناسون بأن في أغلب الأحيان ينقلب السحر على الساحر وهدفهم من الحملة قد يكون له رد فعل عكسي، فهاهو فيلم ”بورن آوت” لصاحبه المخرج نور الدين لخماري، والذي انتزعت منه اللقطة يتصدر محركات البحث المغربية. ما يجعلني شخصيا أشك في افتعال هذه الأزمة من أجل النيل من إدريس الروخ هو أن مع إثارة كل ضجة وجدل مثل هذا، تتجه أصابع الاتهام وتنصب اللعنات مباشرة على الممثلة دون غيرها من زملائها الذكور، لكن في هذه الحملة نرى العكس فأغلب مثيري هذه الفتنة استفردوا بالممثل وأهملوا شريكته الممثلة سارة بيرلس، وأنا هنا لا أدعو الى مهاجمتها بطبيعة الحال بل بالعكس أحاول فقط إيجاد تفسيرا لما يقع.
أجدد تضامني مع إدريس الروخ وتضامني معه هو تضامني مع الفن المغربي الذي يحتاج إلى جمهور واع غير ظالم ولا منساق يقدر قيمته.