الأسياد الجدد..
كريمة رشدي/ من العالية التي اشتغلت في بيتنا وأنا طفلة مرورا بالسعدية وحادة وجمعة ونادية وفاطنة وفطيطم وأخريات إلى حجيبة آخر بنت كانت تساعد والدتي، مع كل هؤلاء البنات اقتسمنا الطعام على مائدة واحدة وكنا ننام في غرفة واحدة، تقاسمنا أشغال البيت وعجن البطبوط، وجربنا سويا تحضير الحلويات والبيتزا. لعبنا الكارطة في ليالي رمضان، وقضينا أيام الصيف الطويلة ونحن نلعب المنوبولي، تعلمنا السباحة في شواطئ طماريس والمحمدية، وتقاسمنا أفراح الأعياد بملابسنا الجديدة…
لم أذكر يوما مناداة والدي لأية واحدة منهن كي تسدي له خدمة ما، فكلما احتاج شيئا كان يطلبه من والدتي أو منا نحن بناته، لم أذكر يوما إهانة والدتي لأي واحدة من هؤلاء الفتيات بل كانت دائما تتحسر لأحوالهن، وتساعدهن قدر استطاعتها، ورغم أنها كانت لا تتقن أية صنعة يدوية، فكانت تحرص على إرسالهن عند جارة أو صديقة ليتعلمن صنعة يستفدن منها في المستقبل.
قبل أسابيع ونحن نزور إحدى المشاريع العمرانية الكبرى، استفزني تخصيص جناح للخدم خلف المطبخ في كل الشقق التي قمنا بزيارتها، يضم غرفة بمساحة جد ضيقة ونافذة صغيرة، لا وجود فيه لدولاب، لم أستطع استيعاب وجود جناح خاص بالخدم في شقة. لعل الاختلاط بمن يسهرون على خدمتنا يصيب بالعدوى، وأن الولوج إلى الفضاء الذي يعيش فيه الأسياد الجدد لا يليق بالفقراء والخدم..
ماذا جرى لنا؟ لهذه الدرجة صرنا نخاف من بعضنا البعض؟
لهذه الدرجة فقدنا إنسانيتنا؟ بل فقدنا كل القيم الكونية حين نسمح لأنفسنا بتعذيب كائن ضعيف تكالب عليه الفقر والحاجة ولجأ إلينا مستنجدا ليخدمنا بتفان من أجل شدق خبز يابس، ودريهمات معدودة لمساعدة الأسرة المنتمية لمغرب آخر مغرب مهمش ومحكور.
خبر الفتاة التي تعرضت للتعذيب والحرق بوحشية، لم يستفز أي فرد من حكومتنا، التي وصلت للحكم عن طريق وعود كاذبة لهؤلاء، وعود بتحقيق العدالة الاجتماعية و و و … تعذيب وحرق هذه الفتاة التعيسة الحظ هو مجرد خبر من أخبار الحوادث، والفتاة التي هي مجرد رقم في سجل بلا قيمة، سيطويه النسيان مع أول شجار بين لدنيا باطما وابتسام تسكت..
لأن هذه الفئة الاجتماعية يجب أن تظل في نفس الوضعية، كي تخدم طبقة الأسياد الجديدة التي تريد إعادتنا إلى زمن العبودية، لهذا لن يخلع الدكتور العثماني قميص رئاسة الحكومة ليلبس وزرة الطبيب ويتكفل شخصيا بالحالة النفسية للطيفة وغيرها من أخريات عديدات يعانين في صمت ويأس، ولن تنتفض السيدة بسيمة وتستنفر كل أجهزة وزارة المرأة والأسرة والتضامن كي تساعد كل خادمات البيوت الصغيرات منهن والكبيرات كي يخرجهن من هذه الوضعية..
لن يحرك أحد ساكنا، وستنضاف قضية لطيفة إلى قضايا عدد من النساء اللواتي يعشن ظروفا قاسية، تفتقد لأدنى شروط الكرامة..